منذ زمن بعيد والبشر يحاولون الاتجاه إلى استخدام الوسائل الطبيعية في علاجاتهم عوضاً عن العلاجات الأخرى التي كانت تسبب آثاراً جانبية عدة، والعلاج الطبيعي هو إحدى هذه الوسائل.
استخدم قدماء المصريين ذلك العلم في العلاج منذ آلاف السنوات، وكذلك استخدمه الصينيون في العالم عام 3000 قبل الميلاد، وأعلن عنه أبقراط (أبو الطب) عام 460 قبل الميلاد، وأصبح طريقة ذات طابع علمي وتحت مبضع الأبحاث العلمية في أوائل العام 1800 قبل الميلاد. وفي العصر الحديث بدأ العلاج الطبيعي يذكر كمهنة طبية لأول مرة عندما قام البريطانيون بتأسيس أول جمعية للعلاج الطبيعي في بريطانيا عام 1894م، وانتشرت هذه المهنة منذ ذلك الحين بين أرجاء العالم، وقامت الدول المختلفة بإجراء برامج تدريبية للمعالجين، وتم إنشاء قسم خاص بالعلاج الطبيعي في جامعة "أوتاجو" في نيوزيلاند عام 1913م. أما اللحظة الانتقالية في تاريخ هذا العلاج فهي الحرب العالمية الثانية، فعند حدوثها، كان للعلاج الطبيعي دور حيوي في علاج إصابات النخاع الشوكي، التي يترتب عليها حدوث حالات الشلل الجزئي والكلي، وكذلك ساعد هذا العلاج في تأهيل مصابي الحرب، وخاصة بعد حدوث الكسور المتفرقة في الجسد، وبعد حالات البتر المتنوعة. ومنذ ذلك الحين انطلق العلاج الطبيعي في مصاف المهن الحيوية في الطب البشري، كمهنة راقية ذات طابع خاص.
وانتقل العلاج الطبيعي من إنجلترا وفرنسا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فانتشر بين ربوعها، وتم إنشاء جمعية العلاج الطبيعي الأمريكية عام 1921م وهي الجمعية التي مازالت تعمل حتى اليوم، وتسمى (APTA) وتم تخصيص مجلة علمية لهذا الشأن، واحتلت المهنة مكانة مرموقة بين المهن الطبية، وتكاد لا تخلو أي مستشفى من قسم للعلاج الطبيعي. وتعتبر الدول الرائدة في هذا المجال هي: كندا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا، كما أن هذه المهنة دخلت إلى ربوع عالمنا العربي وتطورت بشكل لم يسبق له مثيل.
وسائل العلاج الطبيعي
ويستخدم العلاج بالثلج مباشرة بعد حدوث الإصابات، ويؤدي إلى تقليل درجة حرارة المنطقة المصابة، والتقليل من تدفق الدم السريع لها مما يعمل على التقليل من مضاعفات الإصابة، والحد من تفاقمها، ويستعين به المعالجون فور الإصابة لعلاج التورم الحادث نتيجة الإصابة، ويعمل الثلج على تسكين الألم فور الإصابة، ويقلل من التوتر العضلي.
العلاج الطبيعي والأمراض المختلفة
أمراض العظام :
يتكون الجسد البشري من الجهاز العضلي الحركي، وهذا الجهاز يتألف من الهيكل العظمي الذي تمثله العظام، والجزء الحركي، وهي العضلات التي تحرّك تلك العظام، ومن دون العضلات لا تتحرك العظام بالطبع. وتربط بين العظام وبعضها مفاصل لها أنواع عدة، بها وسائد (غضاريف) تعمل على التغلب على قوة احتكاك العظام، وبها سائل يتجدد دائماً للمحافظة على سلامة المفصل.
وإصابة العظام تنتج عنها الكسور تلك التي تختلف أنواعها باختلاف القوة التي أدت إلى كسر العظام، فهناك الكسر المغلق (closed fracture) وهو ذلك الكسر الذي يحدث في العظام دون اختراقها للجدار الجلدي للجسم، والكسر المفتوح (open fracture)، وهو ذلك الكسر الذي تنكسر فيه العظام عرضياً أو طولياً، وتنحرف عن مكانها وتخترق الجدار الجلدي المقابل لها، ونستطيع رؤيتها بالعين المجردة، وهذا النوع من أصعب الأنواع، ويحتاج إلى جراحة عاجلة.
بعد تثبيت الكسر بواسطة الجرّاح، يأتي دور العلاج الطبيعي مباشرة، حيث يكون له دور حيوي في استعادة حركة المفاصل والعضلات، كما تستخدم أجهزة الموجات فوق الصوتية بعد الكسر مباشرة لزيادة قدرة الكسر على الالتئام، كما تعمل على زيادة نسبة المعادن المكونة لتلك العظام وزيادة كثافة العظام.
أمراض الأعصاب:
الجهاز العصبي في الإنسان يتركب من المخ والنخاع الشوكي ثم الأعصاب الطرفية الدماغية والشوكية، وعندما يصاب المخ بالجلطات الدماغية، أو يصاب جزء من النخاع الشوكي، يحدث الشلل مختلف الأنواع. فهناك الشلل النصفي الذي يصيب نصفاً واحداً من الجسد، سواء الأيمن أو الأيسر، وهناك الشلل الرباعي الذي يصيب كل أطراف الجسم، وهناك الشلل الجزئي، ذلك الذي يصيب إما النصف العلوي من الجسم وإما الجزء السفلي من الجسم، وينتج عن إصابة في النخاع الشوكي، عندها لا تتحرك الأطراف المصابة مطلقاً أو تتحرك ببطء شديد، ويكون هدف العلاج الطبيعي هنا هو إعادة الحركة لهذه الأطراف المصابة، بل وتقويتها بعد ذلك وإعادتها لوضعيتها الطبيعية.
أمراض الأطفال:
هناك قاعدة عريضة من الأطفال يعانون من أمراض يعتمد علاجها كلية على العلاج الطبيعي، مثل أمراض الشلل الدماغي (Cerebral Palsy) وملخ الولادة وانحناء الرقبة بعد الولادة (Torticollis)وإصابات الضفيرة العصبية العنقية، ويعتمد الطبيب في تلك الحالات على التمرينات العلاجية، وتقوية العضلات حسب المرض، وتعليم الطفل المهارات الحركية مثل الجلوس ثم الوقوف ثم المشي. وتسبق هذه المراحل قدرة الطفل على الزحف وقدرته على الجلوس.
مرض السمنة (Obesity):
تعد السمنة من أخطر الأمراض الموجودة على الساحة الطبية، وتجلس بجوارها أمراض السكر وضغط الدم والقلب والشرايين، وخاصة أنها تكون مسببا رئيسيا في الإصابة بتلك الأمراض عند نسبة كبيرة من المرضى. وقد وضع العلماء مقياساً لبيان نسبة السمنة عند الإنسان، وهو قياس كتلة الجسم بمعادلة = وزن الجسم بالكيلوجرام على مربع طول الجسم بالمتر، ومنها يتضح تشخيص السمنة عند المريض. وفور ثبوت إصابة المريض بالسمنة، فإن عليه اتباع نظام غذائي صحي، بالإضافة لممارسة التمرينات الرياضية. وقد أثبت العلماء حديثاً أن علاج السمنة باتباع نظام غذائي فقط، أو بممارسة التمرينات الرياضية فقط، لا يصلح، فكلاهما وجهان لعملة واحدة، خاصة أن التمرينات الرياضية تحافظ على كتلة العضلات وقوتها، بينما النظام الغذائي وحده لا يفعل ذلك، وكذلك تساعد التمرينات على تكسير الدهون الزائدة على الجسم، وترفع من كفاءة عضلة القلب، وتقلل من فرص الإصابة بأمراض الشرايين وأمراض السكر مختلفة الأنواع. وللتمرينات الرياضية شروط وضعها الباحثون وهي: ممارستها من 3 - 5 أيام في الأسبوع، في كل مرة لا تقل مدة التمرين عن 20 - 60 دقيقة.
أمراض النساء والتوليد:
لقد نجح العلاج الطبيعي في تخفيف وعلاج الكثير من الآلام في هذا الصدد، وخاصة آلام الطمث وآلام الولادة وذلك باستخدام وسائل العلاج الطبيعي المختلفة والتمرينات العلاجية، وتمرينات التقوية لتقوية عضلات الظهر، وعضلات الحوض.. تلك العضلات المنسية التي لا تعلم عنها النساء شيئاً، اللهم إلا القليل منهن، والتي تحمل أهمية كبيرة عند الولادة. ولقد أثبتت الدراسات الحديثة أن المرأة الرياضية تلد دون الشعور بآلام الولادة الحادة عنها عن أي امرأة أخرى.
الأمراض الباطنية:
بالطبع أشهر المشكلات تهديداً لحياة صاحبها هي إصابات الجهاز التنفسي، ومن أشهر مشكلات الجهاز التنفسي التي يساعد العلاج الطبيعي في علاجها: الربو، فهناك تمرينات علاجية لتدريب المريض على كيفية التنفس بشكل صحيح، وكيفية مواجهة الأزمة، وكذلك تعليمه كيفية استخدام العضلات الملحقة بالقفص الصدري التي تساعد على التنفس عند شعوره بأزمة الربو.
العلاج الطبيعي داخل غرفة الجراحة:
هناك مشكلة تواجه الجراحين وهي وجود المخاط داخل رئتي المريض والشعب الهوائية قبل دخوله لغرفة العمليات، وهذا الأمر يؤرق الجراح مما يجعل دور العلاج الطبيعي يظهر هنا وهو مساعدةالمريض على التخلص من ذلك المخاط عن طريق تمرينات تنفسية خاصة وأوضاع يوضع فيها المريض تنقي كل فصوص الرئتين اليمنى واليسرى من المخاط. كذلك للعلاج الطبيعي دور مهم في إزالةالندبات الجراحية تلك التي تحدث فوق الجرح بعد إتمام العمليات الجراحية المختلفة، وكذلك تأهيل المرضى بعد العمليات الجراحية.
العلاج الطبيعي والتجميل:
عندما يعمل مبضع الجراح في الوجه أو اليدين أو القدمين أو أي جزء من أجزاء الجسم للتجميل أو لإصلاح المناطق التي أصابتها الحروق وعمل عمليات الترقيع (Skin Graft)، فإن العلاج الطبيعييقف منتظراً المريض حتى يفيق من التخدير، ويبدأ في عمله على الفور لتأهيل المريض بعد هذه العمليات الدقيقة، وهو يساعد على إزالة الندبات الجراحية كما ذكرنا سابقاً. وفي حالات الحروق، فإن معظمها يؤدي إلى التأثير على حركة المفاصل في المنطقة المصابة، ويأتي دور العلاج الطبيعي هنا في إعادة الحركة الطبيعية لتلك المفاصل والعضلات المحيطة بها، وكذلك تقويتها لتعود للحياة منجديد.
وبهذا فإن العلاج الطبيعي يعتبر من أهم العلاجات منذ فجر التاريخ وحتى الآن، ولا تخلو الآن أي مستشفى أو مركز طبي من قسم للعلاج الطبيعي نظرياً لأهميته القصوى والحيوية في علاج قائمة من الأمراض، التي كانت صعبة العلاج في وقت سابق، وأتى العلاج الطبيعي ليعالج الألم من دون ألم، ويقلل من الآثار العلاجية الضارة للعديد من طرق العلاجات الأخرى.